وَقَالَ: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ
وَفِي صَحِيْحِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((وَاللَّهِ إِنِّي لأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَعْلَمَكُمْ بِمَا أَتَّقِي))
وَكُلَّمَا كَانَ الْعَبْدُ أَقْرَبَ إِلَى رَبِّهِ كَانَ أَشَدَّ خَشْيَةً، فَقَدْ وَصَفَ اللهُ الْمَلَائِكَةَ بِقَوْلِهِ: يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ
وَقَالَ عَنِ الْأَنْبِيَاءِ: الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ
فَالْخَوْفُ مِنَ اللهِ مِنْ سِمَاتِ الْمُؤْمِنِيْنَ وَصِفَاتِ الْمُتَّقِيْنَ، وَسَبِيْلٌ لِمَنِ ابْتَغَى النَّجَاةَ فِي الْآخِرَةِ
وَإِذَا سَكَنَ الْخَوْفُ مِنَ اللهِ فِي الْقَلْبِ أَحْرَقَ مَوَاضِعَ الْشَّهَوَاتِ فِيْهِ، وَطَرَدَ حُبَّ الدُّنْيَا عَنْهُ، وَكُلُّ قَلْبٍ لَيْسَ فِيْهِ خًوْفٌ مِنَ اللهِ فَهُوَ قَلْبٌ خَرِبٌ
مَنْ فَقَدَ الْخَوْفَ مِنَ اللهِ خَاضَ فِي الْمَعَاصِي، وَتَمَلَّكَتْهُ الشَّهَوَاتُ، وَوَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ، وَأَكَلَ الْحَرَامَ، وَارْتَكَبَ الْكَبَائِرَ، وَقَلَّ أَمْرُهُ بِالْمَعْرُوْفِ وَنَهْيُهُ عَنِ الْمُنْكَرِ
أَحِبَّائِيْ فِي اللهِ
إِنَّ الْخَوْفَ إِذَا سَكَنَ الْقَلْبَ أَثَّرَ فِي الْجَوَارِحِ، فَيُثْمِرُ عَمَلاً صَالِحًا، وَقَوْلاً حَسَناً، وَسُلُوْكاً قَوِيْمًا، وَفِعْلاً كَرِيْمًا، فَتَخْشَعُ الْجَوَارِحُ، وَيَنْكَسِرُ الْفُؤَادُ، وَيَرُقُّ الْقَلْبُ، وَتَزْكُو النَّفْسُ، وَتَجُوْدُ الْعَيْنُ
وَمِنْ ثَمَرَاتِهِ الْعَظِيْمَةِ فِي الدُّنْيَا: أَنَّهُ مِنْ أَسْبَابِ التَّمْكِيْنِ فِي الْأَرْضِ، وَزِيَادَةِ الْإِيْمَانِ وَالطُّمَأْنِيْنَةِ، قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ * وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ
كَمَا أَنَّهُ يَبْعَثُ عَلَى الْعَمَلِ الْصَّاِلحِ الْخَالِصِ، قَالَ تَعَالَى: إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا
وَأَمَّا فِي الْآخِرَةِ: فَإِنَّ الْخَائِفَ مِنَ اللهِ يُؤَمِّنُهُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَعِزَّتِي لَا أَجْمَعُ عَلَى عَبْدِي خَوْفَيْنِ، وَلَا أَجْمَعُ لَهُ أَمْنَيْنِ، إِذَا أَمِنَنِي فِي الدُّنْيَا أَخَفْتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَإِذَا خَافَنِي فِي الدُّنْيَا أَمَّنْتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
وَمِنْ ثَمَرَاتِ الْخَوْفِ أَنَّ الْخَائِفَ يَسْتَظِلُّ بِظِلِّ عَرْشِ الرَّحْمَنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَقَدْ ذَكَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيْثِ السَّبْعَةِ الَّذِيْنَ يُظِلُّهُمْ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: ((… وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ…))، ((…وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ))، وَالْعَيْنُ الَّتِي بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ إِحْدَى الْعَيْنَيْنِ اللَّتَانِ لَا تَمَسُّهمَا النَّارُ
وَالْخَوْفُ مِنَ اللهِ سَبَبٌ لِلنَّجَاةِ مِنْ كُلِّ سُوْءٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((ثَلَاثٌ مُنْجِيَاتٌ: خَشْيَةُ اللهِ تَعَالَى فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ، وَالْعَدْلُ فِي الرِّضَا وَالْغَضَبُ، وَالْقَصْدُ فِي الْفَقْرِ وَالْغِنَي))
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَالْعَدْلَ فِي الرِّضَا وَالْغَضَبِ وَالْقَصْدَ فِي الْغِنَى وَالْفَقْرِ